* الفقيه والمحدث والمفسر الورع 600 – 671هـ
هو محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فَرْح، كنيته أبو عبد الله ولد بقرطبة بـ الأندلس ما بين 600-610هـ، حيث تعلم القرآن الكريم، وقواعد اللغة العربية، وتوسع بدراسة الفقه والقراءات والبلاغة وعلوم القرآن وغيرها كما تعلم الشعر أيضًا، إنتقل إلى مصر وإستقر بمدنية بني خصيب في شمال أسيوط حتى وافته المنية في 9 شوال671 هـ، وهو يعتبر من كبار المفسرين وكان فقيهًا ومحدثًا ورعًا وزاهدًا متعبدًا.
¤ دراســـته:
تأثر الإمام القرطبي كثيرًا بالثراء الثقافي والمعرفي الذي كانت تعرفه الأندلس عامة وقرطبة خاصة، فنشطت الحركة العلمية في شتى الميادين اللغوية والعلمية والشرعية، نال منها الإمام الشيء الكثير.
¤ شــيوخ القرطبي:
وكان من شيوخ القرطبي ابن رواج، وهو الإمام المحدث أبو محمد عبد الوهاب بن رواج، واسمه ظافر بن على بن فتوح الأزدي الإسكندراني المالكي.
ومن شيوخه أيضاً ابن الجميزي، وهو العلامة بهاء الدين أبو الحسن على بن هبة الله بن سلامة المصري الشافعى، وكان من أعلام الحديث والفقه والقراءات.
ومن شيوخه أبو عباس أحمد بن عمر بن إبراهيم المالكي القرطبي صاحب المفهم في شرح صحيح مسلم.
ومن شيوخه كذلك الحسن البكري، هو الحسن بن محمد بن عمرو التيمي النيسابوري، ثم الدمشقي أبو على صدر الدين البكري.
¤ مــؤلفات القرطبي:
ذكر المؤرخون أن للقرطبي عدة مؤلفات منها:
• الجامع لأحكام القرآن: هو كتاب جمع تفسير القرآن كاملاً.
• التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة.
• التذكار في أفضل الأذكار.
• الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى.
• الإعلام بما في دين النصارى من المفاسد، والأوهام وإظهار محاسن دين الإسلام.
• قمع الحرص بالزهد والقناعة.
• المقتبس في شرح موطأ مالك بن أنس.
• اللمع اللؤلؤية في شرح العشرينات النبوية.
¤ تأثره بمن سبقه من العلماء:
المطالع لتفسير الإمام القرطبي يلاحظ تأثرًا كبيرًا بعلماء سبقوه منهم:
=الطبري: صاحب جامع البيان في تفسير القرآن، أفاد منه القرطبي وتأثر به خاصة في التفسير بالمأثور.
=الماوردي: وقد نقل عنه القرطبي وتأثر به.
=أبو جعفر النحاس: صاحب كتابي: إعراب القرآن، ومعاني القرآن، وقد نقل عنه القرطبي كثيراً.
=ابن عطية: وهو القاضي أبو محمد عبد الحق بن عطية صاحب المحرر الوجيز في التفسير، وقد أفاد القرطبي منه كثيراً في التفسير بالمأثور، وفي القراءات واللغة والنحو والبلاغة والفقه والأحكام.
=أبو بكر العربي صاحب كتاب أحكام القرآن، أفاد منه القرطبي وناقشه ورد هجومه على الفقهاء والعلماء.
¤ تأثيره في من جاء بعده من العلماء:
تأثر بالقرطبي الكثير من المفسرين الذين جاءوا بعده، وإنتفعوا بتفسيره وأفادوا منه كثيرا. ومن هؤلاء:
-الحافظ بن كثير، أبو حيان الأندلسي الغرناطي وذلك في تفسيره البحر المحيط، الشوكاني الذي أفاد من القرطبي كثيراً في تفسيره فتح القدير.
¤ ملامحه الشخصية وأخلاقه:
كان القرطبي رحمه الله من الزهد والورع بمكان، ومن ثَمَّ أثنى عليه المؤرخون لتحلِّيه بهذه الصفات الحميدة، قال ابن فرحون: كان من عباد الله الصالحين، والعلماء العارفين الورعين، الزاهدين في الدنيا، المشغولين بما يعنيهم من أمور الآخرة.
ونرى في مطالعتنا لكتب القرطبي نَفَس العالِم الصالح الورع الزاهد في كل صفحة من صفحاتها، فهو يشكو دائمًا من كثرة الفساد، وإنتشار الحرام، والإبتعاد عن الواجبات، والوقوع في المحرمات.
ومن مظاهر ورعه وزهده: تصنيفه كتاب قمع الحرص بالزهد والقناعة، والتذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة، ومن مظاهره أيضًا: ذَمُّه الغِنَى الذي يجعل صاحبه مزهوًّا به، بعيدًا عن تعهُّد الفقراء، ضعيفًا في التوكل على ربِّ الأرض والسماء.
¤ شجاعة القرطبي وجرأته في الحق:
لا غرابة في أن يكون القرطبي شجاع القلب، جريئًا في إعلان ما يراه حقًّا، لأنه قد إكتسب تلك الأسباب التي تسلحه بهذه الجرأة من علم واسع، وورعٍ مشهود، وإستهانة بالدنيا ومظاهرها، لهذا كان رحمه الله ممن لا تأخذه في الله لومة لائم، ويتمثل هذا في إيمائه في أكثر من موضع في تفسيره إلى أن الحكام في عصره حادوا عن سواء السبيل، فهم يظلمون ويرتشون، وتسوَّد عندهم أهل الكتاب، ومن ثَمَّ فهم ليسوا أهلاً للطاعة، ولا للتقدير.
نذكر من ذلك ما كتبه في -التذكرة- إذ يقول: هذا هو الزمان الذي استولى فيه الباطل على الحق، وتغلَّب فيه العبيد على الأحرار من الخلق، فباعوا الأحكام، ورضي بذلك منهم الحكام، فصار الحكم مكسًا، والحق عكسًا لا يوصل إليه، ولا يقدر عليه، بدَّلوا دين الله، وغيَّروا حكم الله، سمَّاعون للكذب أكَّالون للسحت،{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}.
¤ قيل عنــه:
• قال عنه الذهبي: إمام متفنن متبحر في العلم، له تصانيف مفيدة تدل على كثرة إطلاعه ووفور عقله وفضله.
• قال عنه ابن فرحون: كان من عباد الله الصالحين، والعلماء العارفين الورعين الزاهدين في الدنيا، المشغولين بما يعنيهم من أمور الآخرة، أوقاته معمورة ما بين توجه وعبادة وتصنيف.
• قال ابن العماد الحنبلي عن القرطبي: كان إمامًا عَلَمًا، من الغوَّاصين على معاني الحديث. • قال عنه الزركلي: من كبار المفسرين، صالح متعبد.
¤ وفاتــه رحمه الله:
في بلدة -مُنْيَة الخصيب- بصعيد مصر، كانت وفاة عالمنا الجليل ليلة الاثنين التاسع من شهر شوال سنة 671هـ، ودُفن بمحافظة المنيا شرق النيل، رحم الله العالم الجليل والإمام المفسر والعالم الزاهد الورع الإمام القرطبي.
المصدر: موقع رسالة الإسلام.